سجون بلا قانون.. شهادات الأسرى الفلسطينيين توثق جرائم إسرائيل

سجون بلا قانون.. شهادات الأسرى الفلسطينيين توثق جرائم إسرائيل

تتواصل الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون، حيث يواجهون أوضاعًا إنسانية كارثية تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وتكشف شهادات الأسرى المحررين حجم المعاناة التي يعيشونها، وسط تصاعد القمع منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

الأسير المحرر محمد القدرة (44 عامًا) يروي تفاصيل اعتقاله المروعة، حيث أُلقي القبض عليه خلال الاجتياح البري لمدينة خان يونس، رغم وجوده في منطقة صنفتها إسرائيل على أنها "آمنة"، ويقول: "في الساعات السبع الأولى من الاعتقال، فقدت الإحساس بكل شيء من شدة الضرب والتعذيب، بل وضعتُ تحت جنازير دبابة تعمل، وشعرت أنني سأموت لا محالة".

ويضيف القدرة أن التحقيقات كانت مصحوبة بأقسى أشكال التعذيب، حيث أكد له أحد الضباط أن قلبه توقف خلال الاعتقال، كما شهد استشهاد أسرى آخرين نتيجة التعذيب والإهمال، دون أي تدخل من الجنود لإنقاذهم.

البرد وسيلة للتعذيب

لم يكن التعذيب الجسدي وحده هو الوسيلة الوحيدة لإيذاء الأسرى، فقد استُخدم الشتاء القارس أداة تعذيب ممنهجة، ويؤكد القدرة أن الأسرى تُركوا في العراء دون أغطية أو ملابس كافية، حتى المياه الدافئة مُنعت عنهم. ويضيف: "عندما كنا نطلب الماء لشدة العطش، كان الرد علينا بالضرب والشتائم".

كما تعرض الأسرى لإهانات لا تُطاق، إذ كان الجنود يقفون على الأطراف المصابة لمضاعفة الألم، وأُجبر البعض على إزالة الجبائر عن جروحهم ليتم ضربهم على مواضع الكسور.

يؤكد القدرة أن أصوات الطلقات النارية وصراخ الأسرى كانت تتكرر، متبوعة بصمت مفاجئ، ما يشير إلى تنفيذ إعدامات ميدانية داخل السجون.

أما وسائل التعذيب فتنوعت بين الضرب المبرح، واستخدام العصيّ الكهربائية، وإطفاء السجائر في أجساد الأسرى، ما أدى إلى حروق شديدة، ويقول القدرة: "كنا نشتم رائحة الجلد وهو يحترق من التعذيب".

 أدوات أخرى للقمع

إلى جانب التعذيب، تعرض الأسرى لسياسة تجويع ممنهجة، حيث لم يحصلوا سوى على القليل من الطعام يوميًا، مثل قطعة خبز صغيرة ونصف ملعقة من المربى، في ظل ظروف معيشية غير إنسانية.

ويشير القدرة إلى أن الاستحمام كان ممنوعًا لأكثر من شهرين، فيما كانت ظروف النوم مأساوية، حيث تم تخصيص غطاء واحد لكل ثلاثة أسرى في أجواء الشتاء القارس، مع النوم على أرضية صلبة أشبه بالإسفلت.

كما تعرض الأسرى للحرمان من النوم لفترات طويلة، حيث كانت الموسيقى الصاخبة تُشغل ليلًا، وتُسلط عليهم الأنوار المتوهجة، بالإضافة إلى إيقاظهم المستمر عبر الضرب بالعصيّ وأعقاب البنادق.

معسكرات الاعتقال.. "مسلخ بشري"

يصف القدرة معسكر "سيديه تيمان" الذي اقتيد إليه بـ"المسلخ"، حيث كان الأسرى يُوهمون بإجراء فحوصات طبية، لكنها لم تكن سوى ستار لمزيد من التعذيب والإذلال.

وفي إحدى المرات، أُجبر الأسرى على تذكر أرقام هوياتهم تحت الضرب، فيما تعرض المرضى والمصابون لمزيد من التعذيب بدلًا من تلقي العلاج. ويقول القدرة إنه أصيب بنزيف في الكلى بسبب الضرب العنيف، وعندما طلب نقله للعيادة، كان الرد: "ابقَ مكانك للموت".

غرف الديسكو.. تعذيب نفسي

يروي الأسير المحرر محمد القدرة تفاصيل ما تعرض له داخل أحد المعتقلات الإسرائيلية، حيث نُقل إلى غرفة أطلق عليها الجنود اسم "الديسكو"، مزودة بسماعات ضخمة تبث موسيقى صاخبة مترافقة مع تهديدات بالقتل.

ويقول القدرة: "بعد ساعات من هذا العذاب النفسي، كنت أشعر بإرهاق شديد، لكن أي محاولة للغفوة كانت تقابل بضرب مبرح من الجنود، حتى أصبت بهلاوس بصرية وسمعية، قبل أن يتم اقتيادي إلى جلسة تحقيق طويلة تخللتها انتهاكات إضافية، كحرماني من الماء والذهاب إلى الحمام".

إهمال طبي وتجويع 

أما أمين بركة (37 عامًا)، الذي اعتُقل أواخر يناير 2024، فقد عانى التعذيب الجسدي والتحرش اللفظي، إضافة إلى ظروف اعتقال قاسية، حيث مُنع الأسرى من الملابس الشتوية والفراش والأغطية في ظل البرد القارس.

ويقول بركة لـ"جسور بوست": "كان الجنود يقتحمون الزنازين ليلاً لترهيبنا، مدججين بالسلاح، وكنا نتعرض للقمع بوحشية".

وأضاف: "حتى خلال محاكمتنا، تعرضنا للضرب خلال النقل عبر "البوسطة"، في حين تفشت الأمراض الجلدية بين الأسرى نتيجة انعدام الرعاية الصحية، ومنع إدخال الأدوية الضرورية، بما في ذلك المضادات الحيوية".

وأشار بركة إلى أن السلطات الإسرائيلية حرمت الأسرى من أي اتصال بالعالم الخارجي، ورفضت السماح لمحامي الصليب الأحمر أو ممثليه بزيارتهم، تحت ذريعة "حالة الحرب".

وبصوت متهدج، استذكر بركة لحظة الإفراج عنه، حيث تلقى نبأ استشهاد اثنين من إخوته وتدمير منزله خلال اعتقاله.

بتر وتعذيب

لم تدم سوى ساعات قليلة على اعتقال الأسير عادل صبيح من مستشفى الشفاء في غزة، حتى فقد قدمه اليسرى بعد تعرضه للضرب المبرح، ما اضطر إلى بترها.

ويقول صبيح لـ"جسور بوست": "كنت بانتظار إجراء جراحة لتركيب دعامات بلاتينية في قدمي، لكن جنود الجيش اعتقلوني من المشفى، وبدلًا من علاجي، بتروا قدمي وأجبروني على توقيع تعهد بإخلاء مسؤوليتهم عن أي مضاعفات".

وأضاف أن الإهمال الطبي داخل السجون فاقم معاناته، حيث أصيب بمشكلات صحية خطِرة في القولون والمعدة، إضافة إلى حصى الكلى بسبب التعذيب وسوء التغذية.

وبعد تحرره، لم يجد صبيح من يشاركه فرحة الحرية، إذ لا يزال والده أسيرًا في سجون إسرائيل، وهو اليوم يطمح للسفر لتلقي العلاج وتركيب طرف صناعي.

تصعيد غير مسبوق في الانتهاكات

يؤكد مدير الدائرة الإعلامية بمفوضية شؤون الأسرى والمحررين، رامي عذارة، أن السلطات العسكرية الإسرائيلية صعّدت انتهاكاتها بحق الأسرى الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر، وفق شهادات الأسرى المفرج عنهم والمحامين القلائل الذين تمكنوا من زيارتهم.

ويقول عذارة لـ"جسور بوست": "ما يجري داخل السجون لم يسبق له مثيل، فالضرب المبرح بات يوميًا، والحرمان من الطعام والعلاج أصبح سياسة ممنهجة، والانتهاكات الجسدية التي طالت الأسيرات".

وشدد على ضرورة توثيق هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها أمام العدالة الدولية.

إخفاء قسري ومصير مجهول

رصدت المفوضية تزايد حالات الإخفاء القسري للأسرى، حيث فقدت مئات العائلات الاتصال بأبنائها، دون معرفة مصيرهم.

ويقول عذارة: "نتلقى يوميًا اتصالات من أهالي مفقودين يسألون: هل هم أحياء أم شهداء؟ لكن السلطات الإسرائيلية ترفض تقديم أي معلومات، بل وتمنع حتى الصليب الأحمر من زيارتهم".

يصعب تحديد العدد الدقيق للأسرى، لكن بحسب المفوضية، هناك نحو 1600 فلسطيني لا يُعرف مصيرهم، فيما وثّقت استشهاد 69 أسيرًا بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي منذ بدء الحرب على غزة.

 

حراك فلسطيني وعربي لإنقاذ الأسرى

تواصل المفوضية جهودها مع المؤسسات الدولية، وخاصة الصليب الأحمر، للضغط على إسرائيل لوقف الانتهاكات بحق الأسرى، كما تتكامل الجهود الفلسطينية والعربية عبر جامعة الدول العربية وهيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير، لمواجهة السياسات العنصرية التي تستهدف الأسرى الفلسطينيين.

ويؤكد المحامي سمير المناعمة، من مركز الميزان لحقوق الإنسان، أن السلطات الإسرائيلية تحتجز قرابة 5 إلى 6 آلاف أسير من الضفة الغربية، ونحو 3 آلاف من قطاع غزة.

يكشف المحامي المناعمة أن السلطات الإسرائيلية تستخدم الأسرى دروعًا بشرية خلال العمليات العسكرية، إلى جانب تعريضهم للتحقيق العنيف والحرمان من الزيارات، ما يعد انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية.

وأوضح أن إسرائيل تتلاعب بتصنيف الأسرى باعتبارهم "مقاتلين غير شرعيين"، ما يحرمهم من حقوقهم بموجب اتفاقية جنيف.

ويطالب المناعمة المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لحماية الأسرى الفلسطينيين، ووقف الممارسات الوحشية التي تنتهك أبسط الحقوق الإنسانية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية